محمد بدارنة : في اللغة التصويرية " عندما تنطق الصورة حكاية شعب ومجتمع "
2012-07-05
من عمر دلاشة مراسل موقع بانيت وصحيفة بانوراما
الصور من معرض على حافة الامل الذي نظم في المغرب والذي يحكي عن عمالة الاطفال في العالم
بطاقة هوية : محمد كامل بدرانة من عرابة
لقب اول في التاريخ والفلسفة من جامعة حيفا
خريج معهد فيتسو للفنون (تصوير فوتوغرافي)
عمل مدير مشاريع تربية لحقوق الانسان في المؤسسة العربية لحقوق الانسان ويعمل مركز تربية اجتماعية في مدرسة المشهد التنكلوجية ويعمل في مجال التدريب على التصوير الفوتوغرافي في عدة اماكن
حاصل على توصية لجنة التحكيم في مسابقة حوض البحر المتوسط للحضارات والمرتبة الثانية بجائزة العودة عن التصوير الفوتوغرافي
كيف بدء عشقك للتصوير الفوتوغرافي ؟
بدء مشواري مع الصورة عن طريق الصدفة حينما تلقيت هدية منذ 3 سنوات وكانت عبارة عن كاميرا ومن تلك اللحظة بدئت اكتشف عالم جديد وجذاب وكانت مشاهدتي لفليم يصور واقع اطفال في مدينة كلكتا في الهند اثر كبير في جذبي لعالم التصوير وجعلني اتخذ منحى التصوير في موضوع التغيير المجتمعي ومن هناك بدئت اصور وارتبطت اكثر واكثر بالكاميرا وتصوير الواقع والوان مختلفة في التصوير الى ان قررت الالتحاق بتعليم التصوير في كلية فيتسو بحيفا وذلك لتعزيز قدراتي وإمكانياتي في التعامل مع تقنيات التصوير وطرق تصوير جديدة مع انكشاف على مصورين عالميين ومحليين وهذه تجربة هامة خاصة ونحن في فلسطين نملك مادة دسمة جدا من الصور سواء كانت مجتمعية او سياسية او حقوقية وهناك حاجة كبيرة الى توثيق وتجميع هذه الصور وجعلها سلاح قوي من اجل الدفاع عن حقوقنا لا سيما في الفترة السابقة خلال الحكم العسكري التي لا تتوفر فيها صور كافية لتوثيق حياة المواطنين في تلك الحقبة وهذا نتاج لعدم الوعي للناس في تلك المرحلة لاهمية التوثيق والصورة واليوم بوجود الكاميرا الديجيتال على اختلافها سواء كاميرا مهنية او حتى من خلال كاميرات الهواتف النقالة اصبح لدينا قوة كبيرة من حيث كم التصوير والتعلم على التصوير ولكن ينقصنا رفع الوعي لاحترام الصورة , رفع الوعي لقوة التصوير في التغيير , رفع الوعي لاهمية التوثيق القضايا المجتمعية في عاداتنا وتقاليد ومن منهج حياتنا ومن ما نعانية من تمييز وعنصرية ونحاول ان قولبة التصوير لما يخدم مناحي حياتنا اليومية علما ان طريقتي بالتصوير متأثرة من خلفية حقوق الانسان لتجربتي الطويلة في عمل 13 عام في هذا الحقل وهو ما زودني بخبرة ودراية في المجال ووفر لي ادوات جيدة لطرح القضايا التي اريدها في هذا المجال اضافة لعملي في تدريب المجموعات والتي اوجه فيها على موضوع الرسالة الانسانية في الفنون وخاصة التصوير وهذه كانت انطلاقتي في عالم التصوير.
حدثنا عن مجال عملك في رفع الوعي للتصوير الفوتوغرافي ؟
اعمل على موضوع رفع الوعي في التصوير الفوتوغرافي في الداخل الفلسطيني وهو بالاساس تحويل التصوير كأداة للتغيير المجتمعي من خلال برامج مع اطفال ونساء وكافة شرائح المجتمع.
كيف يمكن للتصوير ان يؤدي الى تغيير مجتمعي ؟
الكاميرا هي اداة مهمة للتوثيق وهي اداة مهمة لعرض حقائق معينة او عرض وجه ورؤية معينة فالكاميرا هي سلاح هام لعرض حاكيانا المرئية وبالتالي هي اداة موجه وناقدة لعرض قضايا تؤدي الى تغيير مجتمعي في مواضيع يعاني منها المجتمع , مثلا عرضنا موضوع عن مجموعة اطفال في كفر قاسم يعانون من التمييز على خلفية لون البشرة وعرض الصور كان عبارة عن حكاية لرفض العنصرية وكانت رسائل المعرض تقول بلغة الصور ان هؤلاء الاطفال هم جزء من المجتمع ولا يحتاجون من اجل ذلك الى تصريح من احد وهناك الكثير من النماذج بالعالم التي غيرت فيها الصورة قضايا اجتماعية عديدة , بداية من المصور الأمريكي لويس هاينز الذي قام بتصوير عمالة الأطفال وعلى اثر ذلك قامت الولايات الامريكية بسن قوانين لمنع عمالة الأطفال وكذلك المصور البرازيلي سيبستيان سلجادو الذي اصبح سفيرا للنوايا الحسنة لما احدثه من تغير حقوقي انساني من خلال صوره . ونحن نرى انه ومن خلال الصور الفوتوغرافي كشفت العديد من الانتهاكات بحقوق الانسان وحقوق المراة وحقوق الطفل .
اليوم الكاميرا متوفرة جدا وبمتناول المواطنين بل اصبحت جزء من حياتنا اليومية . الى أي مدى هناك وعي للصور التي نلتقطها ؟
اعتقد ان هناك كمية هائلة من المصورين والكاميرات ولكن ما نحتاجه هو تحويل هذه الكاميرات الى رسالة تحكي قضايانا وهمومنا فليس من الضروري ان نسافر الاف ومئات الكيلومترات لتصوير منظر جميل ومبهر . بل يمكن تصوير ما يجري من حولنا مثل قضايا العنف القضايا , العنصرية , السياسة ,الجمال في القرى العربية قليلون من يصورون جمال القرى العربية , مثلا هناك الكثيرون ممن يصورون الاعراس ولكن ليس منهم من يصور القيمة الانسانية في للفرح الخاص بالانسان , ليس هناك من يصور عاداتنا او الحالات الانسانية في العمل او تصوير عمال وحياتنا العمالية , حياتنا الاقتصادية كل هذه المواضيع بعيدة عن التصوير الذي يبتعد عن هذه المواضيع ويتجه الى التصوير الجمالي المبهر . وما اتحدث عنه هو صورة مع مضامين تستطيع ان تحمينا جماعيا في الداخل الفلسطيني وهذا ياتي عن طريق اكتشافنا وبنائنا للغة تصويرية . بمعنى لدينا الكثير من المصورين ونمتلك الكثير من الكاميرات ولكننا لا نملك لغة تصويرية بمستوى كبير يمكننا من التقدم ومواكبة كل ما يتعلق في الصورة على الصعيد العالمي.
ماذا تعني بلغة تصويرية ؟
اعني ان نتمكن سرد روايتنا وقضايانا عن طريق الصور ولا اعني هنا مجرد صورة واحدة منفردة , مثلا عند الحديث عن القرى الغير معترف فيها يمكننا عرض مجموعة صور عن القرى غير المعترف فيها تحكي معاناة هذه القرى عذاباتها . او العنف كقضية مجتمعية مستشرية يجب علاجها والمصور يمكنها من خلال الصور عرض هذا الموضوع وطرحه للعلاج . عندما اتحدث عن لغة تصويرية اتحدث عن امكانية توحيد خط صور تماما كاللغة مترابطة ومتواصلة فيها بداية ذروة ونهاية تماما مثل القصة يجب ان يكون تواصل وترابط في الخط التصويري بحيث يشمل ذلك تحديد زوايا التصوير وملائمتها , بما في ذلك الالوان التي تعبر عن رؤيتنا وامور اخرى متصلة. بمعنى عندما تختار موضوع معين هناك حاجة للحديث بلغة الموضوع العيني بشكل مترابط ومتصل. وعندما ننظر الى تاريخ التصوير في فلسطين بدء مع كريمة عبود وخليل رعد والصوبانجي من يافا هؤلاء امتلكوا صور منفردة لعملهم يوثق الحالة المجتمعية ولكن هذه الحالة انقطعت مع الاحتلال وتحول التصوير الى توثيق افراح عائلية او احداث قطرية وابتعدنا عن موضوع رصد الحالات المجتمعية عن طريق الكاميرا. اليوم هناك مجموعة من المصورين الممتازين الذين يجيدون اللغة التصويرية مثل رنا بشارة ,وليد حمدان, عمار يونس وسهر روحانا التي تصور القرى المهدرة ونمت لغة شاملة تحكي بهذا الاتجاه فنحن بحاجة ليس فقط الى تصوير صورة منفردة الى خلق رواية من صورنا نحكي فيها قضايا مختلفة اجتماعية عاطفية وشتى المجالات.
شاركت في معارض دولية وعربية في الخارج ونظمت ايضا معارض محلية في البلاد الى أي مدى يعي الجمهور العربي اهمية هذه المعارض ؟
لا زالت الصورة في المجتمع العربي في بداية رحلتها وعندما نتحدث عن الداخل الفلسطيني نحن نعتبر شبه مغلقين عن العالم الخارجي من حيث الصورة وانكشافنا على العالم ضئيل جدا وغير كافي . والقضايا التي تطرح لا زالت في بدايتها , عندا نتحدث عن لغة تصويرية او معارض صور مجتمعنا يختلف كثيرا عن المجتمعات الغربية هناك تتوفر الادوات اولا مثل قاعات العرض وايضا من حيث الاقبال هناك اقبال كبير في الخارج على هذه المعارض ولديهم قابلية كبيرة لشراء هذه الاعمال اما في مجتمعنا فالنظر الى التصوير وكأنه ليس فن قابل للاقتناء وعمليات بيع الصور تتم لمواطنين غير عرب نتيجة لعدم توفر الامكانيات المادية او الوعي لقيمة الصور وتغيير هذه الصورة النمطية عن التصوير يطور من اداء المصورين ويمكنهم من التطور والرقي في اعمالهم . يضاف الى ذلك امكانيات العرض في الوسط العربي محدودة من حيث القاعات التي يمكن فيها عرض هذه الاعمال هناك غليري في الناصرة واخر في ام الفحم وهو ما يحد من امكانية عرض الصور في الوسط العربي وذلك نظمت معارض في مقاهي مثل فتوش وهي طريقة لكشف هذه الصور امام الناس . يضاف الى ذلك غياب المنح المتوفرة في الخارج والمعدومة في وسطنا العربي .
الى أي مدى يعي مجتمعنا لتوثيق حياتها اليومية او حتى احداث عابرة تمر علينا قد لا نرى فيها مهمة للتوثيق ؟
اذا ما قارنا بين سنة 2000 وقت أحداث اكتوبر لم يكن هناك الكثير من الصور والفيديو ونتيجة لولادة مؤسسات اعلامية حدث تطور نوعي واهمية للتصوير والتوثيق كونه يخدم قضايانا ولكنه محدود ايضا , مثلا اذا تحدثنا عن موضوع البيئة من يمكن ان يبني مشروع صور عن كل ما يتعلق في كيف تتصرف النسا مع البيئة وتلويثها, اصلا يغيب الوعي عن البيئة ولكن هذا لا يعفي يجب ان يكون هناك من يبادر ويحفز مثل هذا الوعي فالموضوع طردي نحن ننظر الى قضايا وقد نعتق انها غير مهمة ولكنها هامة للغاية من قضايا البيئة , حقوق المراة حقوق الطفل هناك الكثير من المشاريع التي يمكن العمل عليها من خلال اللغة التصورية ونعاني من نقص في هذه المواضيع لاننا لا زلنا في مرحلة التعلم وهناك اهتمام كبير في موضوع التقنيات وهذا هام ولكن برأيي ان اللغة والرسالة التصويرية اهم بكثير من التقنيات . هناك الكثير من الصور عبر العالم التي أحدثت تغييرا مجتمعيا كونها قدمت لونا مختلفا فما قاوله ان التقنيات هامة وتعطي الثقة ولكن ما ينقصنا هو توثيق كل ما يحدث في مجتمعنا وحياتنا .
قد يكون هناك وعي كبير اليوم لاهمية التوثيق ولكن هل تعتقد ان مجتمعنا يعي قيمة التأثير عبر الصورة ؟
هناك تقدم في هذا الموضوع واذا ما قارنا بين يوم الارض 1976 هناك تقدم كبير وكم هائل من التوثيق وهذا التقدم موجود وان كان غير كافيا غير اننا نوثق الاحداث السياسية ونغيب الحالة الاجتماعية بمعنى نوثق مظاهرات قرى مهجرة وهي مهمة ولكن يجب ان نوثق حياتنا ونغفل عن قضايا هامية مثلا نحن اليوم في الجيل الرابع للنكبة تخيل توثيق من تلك الاجيال التي بقيت منذ النكبة اعني اولئك الذين تفوق اعمارهم الثمانين عاما هذا مشروع قيم جدا وهذا الجيل يندثر ولا وجود لمشروع يوثق هذه الحالات الانسانية .
كلمة اخيرة توجهها الى الجمهور العربي ؟
هناك كم هائل من المصورين العرب اليوم ومنهم مصورين يستحقون مشاهدة اعمالهم وفنهم واقتناء اعمالهم وصولا الى العالمية وهؤلاء يجب ان يقدروا كما يستحقون لانهم من يقوم بتوثيق مجتمعهم ويؤدون رسالة عظيمة قد تغيب عن وعينا اليوم ولكننا حتما سننظر اليها سواء كان قريبا او بعيدا بنظرة اعجاب كبيرة وعليه مجتمعنا مطالب بتوفير البيئة المناسبة لعرض هذه الفنون والاهتمام فيها.