وليد حسن لـ "سجال"...عام 2000 شهد "هبة إعلامية" وولادة "حديث الناس"
2014-01-17
لم يكن يعرف وليد حسن أن لقاءه بالصحافي الراحل لطفي مشعور سيقوده إلى عالم الإعلام، لقاء مدته دقائق فقط عام 1988 غيرت مسار حياته المهنية تمامًا، من عالم التصميم ورسم الكاريكاتير والهندس، إلى عالم الإعلام والإعلان.
لا زال يهوى رسم الكاريكاتير، والأهم أنه لا زال يحتفظ بالإبداع في الرسم، ولا زال أيضًا يحتفظ برسوماته كلها، لكن مشاغله في إدارة صحيفة "حديث الناس" وشركة "ألوان" للطباعة، دفعت بهذه الموهبة إلى الزاوية لتحل إدارة الصحيفة محلها.
في هذا اللقاء رافقنا وليد حسن في مسيرته، منذ عام 1988 حتى اليوم. حدثنا وليد عن مواكبته للثورة في عالم التكنولوجيا والثورة في حياته.
من هو وليد حسن وكيف دخل إلى عالم الصحافة؟
بدأت عملي خطاطًا، أجيد أساسًا رسم الخط والكاريكاتير؛ بدأت العمل الصحافي عام 1988، حين التقيت صدفة الصحافي والمحرر الراحل لطفي مشعور، فدعاني إلى مكتبه وبدأت العمل في مجال الصحافة. عملت بداية في مجال الإعلانات، ومن ثم انتقلت إلى عدة مواقع في صحيفة "الصنارة"، منها الجرافيكا، والكاريكاتير، والتوزيع، والجباية، والإدارة، والتصوير، والعمل الصحافي.
تركت عام 1997 "الصنارة" وبدأت التفكير جديًّا في العمل المستقل، حينها كانت التكنولوجيا قد بدأت تقوم بدور هام، ما أدى إلى إحداث تغييرات كثيرة في عالم الصحافة، وما بدأنا به عام 1988 لم يعد موجودًا عام 1997، أهمها الانتقال من التصميم والمهارات اليدوية، لصالح التقنيات التكنولوجية المتطورة.
من المهم الإشارة إلى أنني تعلمت كثيرًا من الراحل مشعور، إذ علمني التنظيم، والإدارة، والتوثيق والمتابعة، إضافة إلى التحرير والعمل الصحافي، الأمر الذي دفعني إلى خوض غمار التجربة بمفردي.
كيف بدأت العمل المستقل وأي الصعوبات واجهت؟
أسست عام 1997 شركة "ألوان"، والتي لا زلت أديرها حتى اليوم، تعمل "ألوان" في مجال الإعلانات والإخراج المطبعي، فنحن نعمل بمستويين، التصميم والطباعة.
فيما بعد، قررت أنا ومجموعة من رجال الأعمال إصدار صحيفة "حديث الناس"، ولم يكن إصدار صحيفة وترسيخ أسس أسسها أمرًا سهلًا في تلك الفترة، خلافًا لما هو حاصل في هذه الايام، وقد كانت المبادرة تتطلب استثمارًا ماديًّا كبيرًّا، وطاقات بشرية على مستوى عالٍ من الكفاءة، خاصة أن الصحيفة نهضت بين امبراطوريات الصحف، ونجحت بشق طريقها لأنها خاطبت هموم المواطنين ونشأت من عمق آلامهم وآمالهم، ولم تكن يومًا إلا لسان حال الضعفاء ونصيرة المظلومين في مواجهة الفساد.
يمكن القول إن أول ستة أشهر من عمر الصحيفة لم تكن سهلة ابدًا، وقد تزامنت مع فترة انتفاضة القدس والأقصى، والتي اتسمت بالركود الاقتصادي، خاصة أن العديد من الشركات التجارية الإسرائيلية قاطعت المجتمع العربي، لكن مع ذلك استطعنا تخطي الصعاب ودفع المسيرة قدمًا نحو الأمام.
يمكن القول إذن إن الدافع الأساسي لإقامة الصحيفة مالي؟
ليس ماليًّا فقط، كنا نهدف إلى خلق نوع جديد من الصحافة، مهنية ومحلية أكثر؛ كانت كل الصحف العربية في حينه قطرية، وأردنا أن نركز في أخبارنا على النطاق المحلي.
كان لدينا شعور بأن المعلن المحلي يفتقر إلى وسيلة إعلام محلية يعلن فيها، فشركة كناوية بحاجة إلى مستهلك كناوي أكثر من مستهلك رهطاوي مثلًا، ومن هنا بدأت الفكرة.
تكلفة الإعلانات في الصحف القطرية: "الصنارة"، و"كل العرب، و"بانوراما"، كانت عالية نسبيًا، وبعد دراسة السوق والجدوى الاقتصادية وصلنا إلى نتيجة مفادها أن هناك مكان لصحيفة محلية مثل "حديث الناس"، وكما أسلفت، نجحت الصحيفة جدًّا بداية الأمر، لكنها واجهت صعوبة اقتصادية فيما بعد.
من هم الشركاء في الصحيفة، وهل انسحب أحد منهم خلال سنواتها الـ 15؟
قسم من الشركاء من مجال الأعمال المستقلة، وقسم آخر من مجال الصحافة، وهم: أسامة إغبارية، وخليل مزاوي، وسعيد حسن؛ لم يتغير الشركاء في الصحيفة، ولم ينسحب أحد منهم.
هل يمكن القول إن الصحيفة تحقق أرباحًا؟
اغطي الصحيفة في الفترة الأخيرة مصروفاتها بصعوبة، وسبب ذلك وضع المجتمع العربي الاقتصادي، ولأن سوق الإعلانات بشكل عام صغيرة ويتنافس عليها عدد كبير من وسائل الإعلام المطبوعة، وكذلك مواقع الإنترنت والراديو. رغم كافة الصعوبات، فلصحيفة "حديث الناس" وزنها على الساحة الإعلامية، وتعتبر من أكثر الصحف تأثيرًا وأهمية، وهناك شريحة واسعة تقدر عملنا المهني وتمنحنا المعنويات لمتابعة النجاح والتطور وبذل المجهود.
صحيفة مهنية لا شك، من كان محررها الرئيس الأول؟
بدأت "حديث الناس" مشوارها مع الصحافي الزميل غسان بصول، والذي حرر الصحيفة مدة سنة، ليحل محله بعد ذلك الزميل أسعد تلحمي، فالزميل سليمان أبو ارشيد، وحاليًا الزميل الصحافي وديع عواودة.
لا شك أن كل محرر ترك بصمته في الصحيفة وكان له أسلوب مختلف عن الآخر، لكننا احترمنا كل المحررين وساعدناهم في العمل الصحافي بصورة كبيرة.
ما من شك أن المهنية والتميز الّذين رافقا صدور الأعداد الأولى من الصحيفة كان لهما الدور الكبير في تحقيق النجاح، فقد انفردت "حديث الناس" بنشر تفاصيل حصرية عن برنامج زيارة البابا يوحنا بولس الثاني، وهو الحدث الأهم في حينه على مستوى مدينة الناصرة؛ ونشرنا في حينه تفاصيل حصرية عن القضية التي هزت الناصرة خصوصًا، والمجتمع العربي بشكل عمومًا، وهي مقتل الطفل محمد عباس (11 عامًا). كان لمحرري "حديث الناس" جميعهم دور متميز ورائد في المجال، خاصة في السنوات الأخيرة.
هل يعني ذلك أن للمحرر استقلالية كبيرة؟ وهل يعد ذلك سر نجاح "حديث الناس"؟
بالطبع للمحرر عندنا استقلالية كبيرة جدًّا، فنحن لا نتدخل في المضامين، وفي مرات عدة جرى التوجه إلينا للتدخل في المضامين وفضلنا الوقوف في الصف المساند والمدافع عن مهنية المحرر.
من ناحية التوجه نحاول قدر الإمكان أن نحافظ على توجه محايد، مع تناول وتغطية كافة المواضيع التي تهمنا. اتهمنا سابقًا بالانتماء "للحركة الإسلامية"، ثم "لأبناء البلد"، ثم "للجبهة"، وبعدها "للتجمع"، لكننا ندعم كافة الأطراف، نتجند مع مع الفعاليات السياسية جميعها عندما تستهدف حركة ما، نتفاعل مع الكل ونغطي الأحداث بصورة مهنية، بمعزل تمامًا عن المواقف والآراء السياسية والشخصية.
طبعا هناك من يعتب علينا أحيانًا، وآخر يأخذ على خاطره، لكن نؤكد أن معركتنا في العمل الصحافي كانت ولا زالت داعمة للمستضعفين من كل الأطياف.
مما يؤكد أيضًا استقلالية عمل التحرير في صحيفة "حديث الناس" تغيير مبناها، فسابقًا كانت "قطعة واحدة"، واليوم تتكون من صحيفة وملحق. هدفنا من هذا التقسيم، وبعد استشارة المحرر، أن نركز في قسم من الصحيفة على الأمور القطرية، وفي القسم الآخر، المحلق، على الأمور المحلية. في البداية أحسسنا أن المشروع لن ينجح، لكن لاحقًا لمسنا التجاوب من الشارع لهذا المبنى الذي أصبح مريحًا أكثر للقراءة وأكثر تخصصية.
في عالم "النيو ميديا"، هل بقي مكان للمطبوعات؟
الجواب لهذا السؤال يتعلق بالشخص المجيب عليه، كل منا يتابع ويعي جيدًا أن المطبوعات في تراجع مستمر، وأن المساحة المخصصة الصحف على الساحة الإعلامية تتقلص، لكن بالمقابل لنتفق على أن الإنترنت يحمل العديد من الجوانب السلبية، فهناك مواد كثيرة لها بداية دون نهاية، ضحالة في المضامين، وعدم وضوح في الحدود بين المواد الإعلامية، إذ لا يمكن معرفة التقرير من المقابلة من الخبر العادي، ناهيك عن أن التشديد على الصورة أكثر من المضمون.
إحساسي وقناعتي يؤكدان أن للصحيفة مصداقية واهتمام أكبر عند الناس، خاصة من غير مستخدمي الإنترنت حتى الآن، وهذه شريحة موجودة وكبيرة، ونشعر برغبة لديها في الحصول على الصحيفة، ففي الأيام التي لا تصل إلى بعض نقاط التوزيع يقومون بالاتصال بنا وسؤالنا عنها، اما يؤكد احتياج الناس لها وتعلقهم بها.
أنا أدعي أن الصحافة المكتوبة ستحظى دائمًا بمكانة "محترمة"، لأنها رصينة وتركز على المواضيع الهامة، وتلخص الأسبوع بطريقة مهنية. لا يخفى على أحد أننا بصدد تطوير موقع الإنترنت الخاص بالصحيفة، فحتى الآن هو موقع تحفظ فيه أعداد الصحيفة، بمثابة أرشيف، ونعمل على تطويره بصورة أكبر ليدعم ويساند النشرة المطبوعة.
كم عددًا تطبعون من الصحيفة هذه الأيام، وهل فكرتم بتوزيعها بصورة مدفوعة الثمن، وأين توزع؟
نطبع أسبوعيًّا 15 ألف نسخة، وتوزع في كل من أم الفحم (منطقة المثلث/ عارة وعرعرة)، والناصرة والمنطقة، والجليل الغربي، وقرى مرج ابن عامر، وسخنين، وعرابة، ودير حنا، ومجد الكروم، وشفاعمرو، وعكا، وكفر ياسيف، ومناطق أخرى.
توزع الصحيفة يوم الجمعة صباحًا بواسطة خمس سيارات كي تصل إلى جميع المناطق باكرًا، وهي توزع مجانًا، ونحن لا نوزعها مجانًا عبثًا، لقد درسنا إمكانية بيعها ووجدنا أن بناء طاقم جباية وسيارات سيكلف أكثر من مردود الجباية، فكان القرار بأن توزع مجانًا، الأمر الذي يضمن انتشار الصحيفة على نحو كبير، ويكفل توزيع كافة النسخ، واليوم، غالبية الصحف توزع مجانًا.
هل من منافسٍ لكم؟
لا شك أن الصحف المحلية كلها التي برزت على الساحة، وتأخذ طابع النشرات الإعلانية خصوصًا، دخلت إلى سوق المنافسة، لكنني على ثقة من أن المستهلك يعي جيدًا الفروقات، ويعمل على اختيار الأفضل. المستهلك يعرف أماكن التوزيع وجمهور قراء كل وسيلة إعلام، وهذا ما يبدد قلقي عادة.
هل تحصلون على دعم من مكتب الصحافة الحكومي (لابام)؟
كما ذكرت سابقًا، مصدر التمويل الرئيس للصحيفة هو الإعلانات، نحصل في الآونة الأخيرة على ميزانيات، وإن كانت قليلة جدًّا، من مكتب الدعاية الحكومي (اللابام)، رغم أنني بدأت محاولات الحصول على ميزانيات وإعلانات منذ عشر سنوات!
في لقائنا الأخير بمكتب الدعاية الحكومي، وعد مدير المكتب، جادي مرجليت، بمنحنا نسبة أكبر من الإعلانات، هذا الحديث كان مع بداية السنة حتى الآن لم يقم بتحقيق وعوده التي قطعها على نفسه.
ما رأيك بالصورة التي يبدو عليها الإعلام العربي؟
من الواضح جدًّا أن هناك طفرة إعلامية، فعدد وسائل الإعلام آخذ بالازدياد، ومن المفترض أن يكون هذا محفزًا جيدًا للتنافس، لكن على أرض الواقع الأمور مختلفة قليلًا والكل ينسخ عن الكل.
لا أشعر شخصيًّا أن هذا الكم الهائل من وسائل الإعلام قادر على تقديم منتج إعلامي جيد لنا، وربما يعود الأمر للطواقم الإعلامية العاملة فيها، فهي ليست مؤهلة كفاية وبحاجة إلى تدعيم وتدريب أكثر؛ بالمقابل، فإن إشكاليات المادية التي تعاني منها الصحف العربية خاصة، ووسائل الإعلام عامة، لا تسمح بالعمل على تحسين مهنية الطواقم أو حتى تشغيل طواقم مختصة أكثر، وتفضل كادر الشباب المبتدئين.
لكن هنالك أزمات في صحيفة "هآرتس" و"القناة العاشرة"، وهي تحافظ على مهنيتها...
"حديث الناس" قادرة أيضًا على حفظ مهنيتها، فالمنتج الذي تقدمه الصحيفة راقٍ ومهني، ليس فقط بشهادة الجميع، إنما أيضًا بكثرة "الزعلانين"، فهذا مؤشر واضح فعلًا على أن صحيفتنا قادرة على حراسة مصلحة الجماهير.
هل هذا يعني أنكم تتعرضون لضغوطات أحيانًا؟
لا يخفى على أحد تعرض كافة صحافيينا للضغط، وهنا أقصد بالضغط على مستويين، المحلي والإسرائيلي. على المستوى الإسرائيلي يمكن تجاوز ذلك، وفي حالات كثيرة يمكن الالتفاف على الإشكاليات وإيجاد مخرج قانوني. تكمن المشكلة في الضغوطات المحلية، فعلى سبيل المثال لا الحصر، يصعب التطرق إلى موضوع العنف وعائلات الإجرام دون تعريض نفسك للخطر.
"حديث الناس"، والتي تميزت بجرأتها، طرقت باب العديد من التحقيقات الاستقصائية، لكننا اضطررنا في حالات كثير اضطررنا إلى دفع الثمن، وكان الثمن باهظًا.
أضف إلى ذلك الضغط من رؤوس الأموال، فأحيانًا يقف لك رؤوس الأموال بالمرصاد إن خضت في موضوع معين يعتبرون أنه يضر بمصالحهم؛ حتى الآن لا أذكر أننا رضخنا لمثل هذه الضغوطات، لكنها موجودة. يمكن القول إننا لسنا فريسة سهلة.
هل تلمس الدعم من بقية الزملاء الصحافيين؟
لا شك أن هناك دعم من بقية الزملاء الصحافيين، ولمسنا هذا الدعم في عدة أماكن، ونعرف أن هناك من يهتم بشكل شخصي لصحيفة "حديث الناس"، فالزميل فايز اشتيوي أكد في مناسبات عدة على مهنية الصحيفة مشكورًا، وأشاد بعملنا.
يزعجني أحيانًا عدم احترام السبق الصحافي الذي تقوم به صحيفة "حديث الناس"، وعدم منحها "الكريديت" الذي تستحق، فهناك العديد من الموضوعات التي عملنا عليها بشكل حصري، وجرى التطرق إليها في وسائل إعلام أخرى دون ذكر المصدر؛ مثلًا استشهاد عدد من أفراد عائلة الواكد في الغوطة بسوريا، هذا الموضوع كان حصريًّا لـ"حديث الناس"، وجرى التطرق إليه في جميع وسائل الإعلام دون ذكر المصدر.
ويزعجني أحيانا أن مجتمعنا لا يحب توجيه النقد له، وبدلًا من دفاع أحدهم عن موقفه بالحجة والبرهان، إما أن يتصل ويهدد، وإما أن يقاطع.
في الختام، كيف تتعامل "حديث الناس" مع الزملاء الصحافيين، ولماذا تركها بعض الزملاء؟
بشهادة الجميع، تعالمنا مع الزملاء المراسلين بصورة ودية، اليوم نشغل ما يقارب الخمسة مراسلين، ومن غادر الصحيفة فلأسباب شخصية تتعلق به وبتفرغه، ولهم جميعًا نكن كل الاحترام، حتى أننا على تواصل دائم مع الجميع.